الثلاثاء، 3 مارس 2009

فى رحاب البيت العتيق







هذه خاطرة عن عمرة مسلم فى بلاد الحرمين






أفاق عمرو على أذان الفجر والمؤذن الجميل الذي يحب صوت أذانه
يالا ياعمرو عشان صلاة الفجر " تحادثه نفسه" حاضر أنا صحيت خلاص وبسرعته المعهودة خرج إلى الصلاة
ما شاء الله الجو جميل في الفجر
وفى طريقه قابل أصدقاءه محمد وحسين و احمد مراحلهم العمرية مختلفة فسلم عليهم وسألهم عن أحوالهم
قال له محمد إيه يا عمرو مش هتطلع عمرة السنة دى ولا إيه
رد عمرو باريت بس لسه مش عارف أنا نفسي أروح بس مش عارف امته ومع مين انتو عارفين إن اهلى في مصر ولسه مجوش من الإجازة
إيه رأيك تطلع معانا إحنا رايحين أحنا الثلاثة ويوجد مكان في السيارة لشخص رابع
طيب ياجماعه مش عارف ها أفكر وارد عليكم
ودخلوا إلى الصلاة وخرج عمرو فاتصل بوالده واخبره فوافق والده على ذهابه مع أصدقائه إلى العمرة
فرح عمرو جدا واتصل على محمد وقاله أنا با اجهز حقيبتي أمته هنتقابل واتفقوا على إن يمروا عليه
صلى عمرو الظهر وصلى العصر جمع تقديم لأنه مقبل على السفر وبدأت الرحلة
امسك عمرو بمصحفه وأخذا يقرا القرآن الورد الذي اعتاد أن يقرأه كل يوم وكذلك محمد وكان حسين و احمد هم القادة في الذهاب
كان عمرو يفكر منذ بداية شهر رمضان في الاستفادة من كل دقيقة في هذا الشهر
فتارة يقرأ القران وتارة يصلى وتارة أخرى يذكر الله وفجأة توقفت السيارة ومالت واندفع معها إلى الأمام وصدم بالمقعد الامامى وتوقفت السيارة على جانب الطريق بمهارة من احمد الذي تفادى حادث مؤكد الحدوث ياه يالله فالسيارة الأخرى يركبها شخص ويتحدث في تليفونه ولا يلقى بالا للطريق ومن فيه وكاد يصدم سيارتنا
يالله كم قريب منا الموت دائما في كل خطوة في كل حركه في أي مكان
وسرعان ما تذكر قول الله "وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير"
واصلوا السير مره أخرى وهم يتجاذبون أطراف الحديث تارة و يقرأون كتيبات عن العمرة تارة أخرى وتارة يستمعون القرآن للشيخ الذي طالما أحبوه العجمي وماهر المعيقلى كان الجو مهيأ للخشوع والتدبر في خلق الله
مروا بجبال عالية تغطيها طبقة من برداه الحديد وكثبان رملية خط عليها الهواء ما يشاء من أشكال ورسوم شاهدوا جمال برية ترعى على أشجار نمت من ماء الصحراء يالله فتذكر قول الله تعالى " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " تأملوا الطبيعة الجميلة والعيش في الصحراء القاحلة وصعوبة ذلك شاهدوا غروب الشمس وجماله تعلقت أعينهم باحمرار الشفق وانتظروا حتى غابت الشمس تماما و دخول الظلمة فافطروا فلا صوت أذان ولا مكان لمسجد وهم مصرون ومشتاقون للوصول إلى مكة لقضاء أطول وقت ممكن واصلوا السير مرورا بالطائف وتذكروا ما حدث لرسول الله ومن إعراضهم عنه و كيف جلس رسول الله ودعي الله "اللهم انى اشكوا إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربى " وكيف كانت سماحه رسول الله صلى الله عليه وسلم و إشفاقه على أمته من اى عقاب رغم أن الله جعل الملائكة يسألونه بما يريد أن يفعل بهم عقابا على تكذيبهم له وكيف أشفق المصطفى على أمته ودعي الله أن يخرج من بين أصلاب هؤلاء أمه تدعوا الله
حتى وصلوا إلى ميقات السيل(قرن المنازل ) توقفوا للإحرام وصلوا المغرب وصلوا العشاء جمع تأخير وصلوا ركعتين بعد الإحرام في مسجد السيل ثم واصلوا السير وهم يجهرون بالتلبية " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر عبده واعز جنده وهزم الأحزاب وحده"
وتوجهوا إلى مكة المكرمة باق ساعة واحده على مكة اخترقت سيارتهم الطريق في سرعه وفى أمل وفى شوق للوصول إلى بيت الله
يالله إنها جبال مكة قد أطلت عليهم بعلوها وشموخها وتأملوها في خشوع فهذه الجبال مشى عليها رسول الله وأصحابه لامست خشونتها أرجلهم ولفح حرها أنفسهم سرت في أجسادهم قشعريرة عندما تذكروا رسول الله وأصحابه عندما جهروا بدعوتهم على الملأ من قريش وأهل مكة إنها لحظات تمر كالدهر فالزحام في كل الطرق والمعتمرين كثر وخصوصا في الشهر الكريم و بحثوا عن اقرب المواقف إلى سيارتهم فكان بينه وبين الحرم مسيره 15 دقيقة تركوا السيارة وأمتعتهم واتجهوا إلى حرم الله الآمن والناس إليه رجالا من كل فج عميق ولاحت لهم مآذن الحرم الكبيرة وأنواره العملاقة التي تحول الليل نهار وتنير للعالم أجمع بنور أخر الرسالات السماوية من رب العالمين لأهل الأرض أجمعين يالله ذهبوا مباشره فتوضأ جميعهم بماء زمزم وشربوا منها وكل يدعى بشيء خاص به فمنهم من دعي بالنجاح ومنهم من دعي بالعلم ومنهم من دعي بالتقوى والصبر ثم اتجهوا إلى المسجد الحرام ولم يستطيعوا الدخول من باب السلام (نظرا لإغلاقه للتوسعة بالحرم )
دخلوا من باب إسماعيل
أقبل كلا من عمرو ومحمد على باب إسماعيل و تهامسا بدعاء دخول المسجد " اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا الجنة دارك دار السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام اللهم افتح لي أبواب رحمتك ومغفرتك وأدخلني فيها بسم الله "
تقدما خطوة بخطوة ووقعت عيناهما على الكعبة
يالله وجد عمرو لسانه يرد اللهم زد بيتك هذا تشريفاً وتكريماً وتعظيماً ومهابة واخذ عمرو يسرع االخطا وهو يتأمل عباد الله من كل جنس ولون وبكل لغة ولهجة يعظمون الخالق ويوحدونه يالله يا من لا يعجزه سمع عن سمع اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا
وتعلقت عينا عمرو ومحمد واحمد وحسين بالحجر الأسود حتى أصبحا موازين له وما يقابله من إشارة خضراء كبداية للشوط ورفع كل منهم يده ليشير إليه ورددا بسم الله الله أكبر وبدأ كلاهما تحية المسجد( الطواف ) وركن العمرة الاساسى وابتهل كل منهما بما تيسر من دعاء لنفسه وللأمة وللأهل وللأصدقاء وللمسلمين و حرص كل منهما على الدعاء بجوامع الكلم وبأدعية مما دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعدما فرغا من الطواف دون أن يصلا إلى الحجر الأسود خوفا من فسوق التزاحم
خرج محمد ثم عمرو ثم أحمد وحسين في هدوء إلى النقطة المتفقة للتجمع إلى مقام إبراهيم فقاما بصلاة ركعتي السنة بجانبه وهرولا إلى ماء زمزم وأخذا يرويا ظمأهم بالماء البارد وهم يدعون اللهم اسقنا بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا
اتجهوا إلى جبل الصفا وهم يرددون "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما "
مرددين نبدأ بما بدأ به الله وتوجها إلى الكعبة وأخذا يدعوان الله بما تيسر لهما ذهابا وإيابا سبعة أشواط وعمرو يسأل الله النجاح والتوفيق ويكرر اللهم اهدنا وأهدى بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى وانتهى كلاهما من الأشواط وانتهى كل منهما إلى الحلق والتقصير والإحلال من الإحرام سآلين الله "ربنا تقبل منا أنك أنت السميع العليم "
وهنا ارتفع صوت المؤذن لصلاة الفجر فأسرعا لتجديد الوضوء والاستعداد لصلاه الفجر وكلهم فرح لإكمالهم العمرة و لصلاتهم الفجر في حرم الله الآمن والذي أجر الصلاة فيه بمائة ألف صلاه فيما سواه فصلى سنه الصلاة وأخذ يزيد مثنى مثنى وهو يحدث نفسه دى فرصة ولازم نستغلها و جلس يتلو كلاهما القرآن الكريم حتى أشرقت الشمس فصلى ركعتي الضحى وعمرو يشكر الله على هذه الفرصة التي كتبها له لزيارة البيت الحرام وبعد أن أخذا قسط من الراحة في احد الفنادق و أدو صلاة الظهر استقلوا السيارة مرة أخرى والى مدينة رسول الله المدينة المنورة ذات التاريخ العريق كانت المسافة أربعمائة كيلو متر تقريبا
تعجبوا جميعا كيف سار المصطفى ورفيقه أبو بكر الصديق في هذا الطريق الطويل وكيف طوي عنهم مشقته . جبال عالية رمال ممتدة صحراء قاحلة وشمس مشرقة وفكر عمرو كثيرا تدبر في خلق الله وهذه الصحراء الممتدة التي دارت فيها غزوة بدر وأحد وحنين كيف كانت مشقة الحرب في هذه الأثناء وهل كانت أصعب أم مقاومة الشهوات في دنيتنا الحالية هم كانوا على ثغر من ثغور الإسلام وحمى كل ذي ثغر ثغره فماذا عنا
ومر في ذهنه سريعا قول رسول الله " من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالجهاد مات على شعبة من النفاق "
ففكر كثيرا وتأمل هل حدثت نفسي بجهاد نعم أتمنى نصرة الإسلام في اى مكان لكن ولى أمري لم يطلب بجهاد
لكن هل نصرة الإسلام حاليا بالجهاد والحرب فقط فنحن نحتاج الجهاد في طلب العلم والهندسة والطب والاقتصاد والتكنولوجيا في صناعة الدواء وزراعة الأرض و تصنيع المنتجات والآلات أليس هذه هو الجهاد الآن أليس أن نثبت أن ديننا تقدم وليس كما يشيرون مرت هذه الخواطر سريعا فى مخيلة عمرو حتى
وصلوا إلى المدينة واستشعروا نسيم هوائها وأفطروا في سيارتهم بجانب أسوار المسجد النبوي وهم يبحثون عن مكان للتوقف وهم يتأملون المآذن الشاهقة و كرم أهل المدينة وروحهم السمحة وموائدهم دخلوا فصلوا المغرب في ساحته الجميلة واتجهوا يستكشفون المسجد الذي لم يزوروه من قبل وقابلوا لافتات لمكتبة مسجد رسول الله وتأملوها بعجب إنها تحوى تراث السنة والحديث والعلوم و السيرة وعامرة بما لذ طاب فقضوا بها بعض الوقت
ثم رفع المؤذن لصلاة العشاء فأسرعوا يلحقون بالصفوف الأولى
وكم كانت سعادتهم عندما سمعوا صوت الإمام انه الشيخ الحذيفى وصلوا العشاء في خشوع وهيبه
كيف لا وهم يفكرون أن رسول الله قريب منهم ليس بينهم وبينه إلا خطوات وهو شاهد عليهم وتساؤل عمرو لماذا لا نخشع في كلا صلواتنا والله علينا شاهد في كل وقت وحين وكانت صلاة القيام التي أسعدت أوقاتهم وأدوها في خشوع وأمنوا على دعاء الشيخ واتجهوا إلى قبر رسول الله ليسلموا عليه
فقال عمرو السلام عليكم يا رسول الله نشهد الله أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وتركتنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك بأبي أنت وأمي يا رسول الله مقصرون ومذنبون وخالف الكثير منا العهد واقشعر جسده وهو يتخيل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليه السلام
السلام عليك يا أبا بكر يا صديق الأمة السلام عليكم يا عمر بن الخطاب يا فاروق الأمة
واتجه إلى روضة رسول الله والتي تقع بين منبره صلى الله عليه وسلم وبيته (قبره حاليا ) فصلى بها ركعتين



بعد صلاة الفجر تأهبا عائدين بعدما القوا نظرة في إعجاب وفخر ومهابة على شهداء الإسلام وعلى مسجد قباء و انطلقوا عائدين كل هائم في الرحلة وما أفادته فيه




كانت الرحلة مهداه للنفس لتحثها على الالتزام في رمضان وغير رمضان والدوام على العبادة والتفكر في خلق الله والعمل والتعلم كانت رحلة تهوى بها النفس من لذاتها إلى تذكرة بالسيرة العطرة والتاريخ العريق
وصلوا إلى منازلهم وكل وضع خطة للالتزام في رمضان وفى غيره
وصلوا وهم يرددون" ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم "